البحث في حديث الثقلين 2
SOHIH IBNU HIBBAN
1479 – أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : دخلنا على جابر بن عبد الله ، فقال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبة (1) من شعر ، فضربت له بنمرة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت (2) الشمس ، أمر بالقصواء (3) ، فرحلت له ، فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس ، ثم قال : « إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وأن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث – كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل – فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن (4) فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح (5) ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب الله ، وأنتم تسألون عني ، فما أنتم قائلون ؟ » قالوا : نشهد أن قد بلغت ، فأديت ، ونصحت ، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها (6) إلى الناس : « اللهم اشهد » ثلاث مرات ، ثم أذن ، ثم أقام ، فصلى الظهر ، ثم أقام ، فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا قال أبو حاتم : « لما جاز تقديم صلاة العصر عن وقتها ، ولم يستحق فاعله أن يكون كافرا ، كان من أخر الصلاة عن وقتها ، ثم أداها بعد وقتها أولى أن لا يكون كافرا »
__________
(1) القبة : هي الخيمة الصغيرة أعلاها مستدير أو البناء المستدير المقوس المجوف
(2) زاغت : مالت
(3) القصواء : الناقة المقطوعة الأذن ، وكان ذلك لقبًا لناقة النبي ، ولم تكن مقطوعة الأذن
(4) يوطئن : يُدْخِلْنَ وَيَأْذَنَّ
(5) مبرح : شاق وشديد
(6) ينكتها : يميلها ويشير بها
4020 – أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، وأخبرنا الحسن بن سفيان ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قالا : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : دخلنا على جابر بن عبد الله ، فسأل عن القوم حتى انتهى إلي ، فقلت أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فأهوى بيده إلى رأسي ، فنزع زري الأعلى ، ثم نزع زري الأسفل ، ثم وضع كفه بين ثديي ، وأنا غلام يومئذ شاب ، فقال : مرحبا يا ابن أخي سل عما شئت ، فسألته وهو أعمى ، وجاء وقت الصلاة ، فقام في نساجة ملتحف بها ، كلما وضعها على منكبيه (1) رجع طرفاها إليه من صغرها ، ورداؤه إلى جنبه على المشجب (2) ، فصلى بنا ، فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بيده وعقد تسعا ، وقال : « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج ، فقدم المدينة بشر كثير ، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعمل مثل عمله ، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع ، فقال : » اغتسلي ، واستثفري (3) بثوب ، وأحرمي « ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء ، نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشي ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملنا به ، فأهل (4) بالتوحيد : » لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك « ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيئا ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته (5) ، قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة حتى أتينا البيت معه ، استلم (6) الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم ، فقرأ ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (7) ) ، فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبي يقول : – ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم – إنه كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ ( إن الصفا والمروة من شعائر الله (8) ) » أبدأ بما بدأ الله به « ، فبدأ بالصفا ، فرقي عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، ووحد الله ، وكبره ، وقال : » لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، نجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده « ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه إلى بطن الوادي ، سعى ، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، حتى إذا كان آخر طواف على المروة قال : » لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي (9) ، وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة « ، فقام سراقة بن جعشم ، فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ ، قال : فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : » دخلت العمرة في الحج مرتين ، لا بل لأبد الأبد ، لا بل لأبد الأبد « ، وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجد فاطمة ممن قد حل ، ولبست ثياب صبغ ، واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : أبي أمرني بهذا ، قال : فكان علي يقول بالعراق ، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا (10) على فاطمة للذي صنعت وأخبرته أني أنكرت ذلك عليها ، فقال صلى الله عليه وسلم : » صدقت ، ما قلت حين فرضت الحج « قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك ، قال : » فإن معي الهدي ، فلا تحل « ، قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة ، قال : فحل الناس كلهم ، وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي . فلما كان يوم التروية ، توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة ، فوجد القبة ، قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فأتى بطن الوادي ، يخطب الناس ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : » إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، وكان مسترضعا في بني ليث ، فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله . وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون « ، قالوا : نشهد أن قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال صلى الله عليه وسلم بأصبعه السبابة ، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : » اللهم اشهد « – ثلاث مرات – ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل باطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، فاستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلا ، وغاب القرص ، أردف (11) رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة خلفه ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام ، حتى إن رأسها ليصيب مورك (12) رحله ، ويقول بيده اليمنى : » أيها الناس السكينة السكينة « كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر ، حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، فدعاه وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، دفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما ، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت ظعن (13) يجرين ، فطفق (14) الفضل ينظر إليهن ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل ، فحول الفضل وجهه من الشق الآخر ، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الشق الآخر على وجه الفضل ، فصرف وجهه من الشق الآخر حتى أتى محسرا ، فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج إلى الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصا الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر ، فنحر (15) ثلاثا وستين بيده ، ثم أعطى عليا ، رضوان الله عليه ، فنحر ما غبر منها ، وأشركه في هديه ، وأمر من كل بدنة (16) ببضعة ، فجعلت في قدر ، فطبخت ، فأكلا من لحمها ، وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يستقون على زمزم ، فقال : » انزعوا يا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم « ، فناولوه دلوا ، فشرب منه لفظ الخبر لأبي بكر بن أبي شيبة ، قال أبو حاتم رضي الله عنه : » هذا النوع لو استقصيناه لدخل فيه ثلث السنن ، وفيما أومأنا إليه من الأشياء التي فرضت على المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى أمته جميعا من الوضوء والتيمم والاغتسال من الجنابة والصلاة والحج وما أشبه هذه الأشياء ما فيها غنية عن الإمعان والإكثار فيها لمن وفقه الله للصواب ، وهداه لسلوك الرشاد «
__________
(1) المنكب : مُجْتَمَع رأس الكتف والعضد
(2) المشجب : هو ما يعلق عليه الثياب والمتاع
(3) الاستثفار : هو أن تَشُدّ المرأة فرجها بخرقة عريضة بعد أن تَحْتَشي قُطْنا، وتُوثِقَ طرَفَيْها في شيء تَشُدّه على وسَطها، فتمنع بذلك سَيْل الدَّم
(4) الإهلال : رفع الصوت بالتلبية
(5) التلبية : أصل التلبية الإقامة بالمكان ، وإجابة المنادي ، ولبى بالحج قال : لبيك اللهم لبيك
(6) استلم : افْتَعل من السَّلام والتحية وقيل هو افْتَعل من السّلام وهي الحجارة، ويقال اسْتلم الحجرَ إذا لِمسه وتَناوله وقبَّله
(7) سورة : البقرة آية رقم : 125
(8) سورة : البقرة آية رقم : 158
(9) الهدي : ما يهدى إلى الحرم من النَّعَم والذبائح ، وقيل أيضا : من مال أو متاع
(10) محرشا : محرضا وذاكرا ما يوجب اللوم
(11) أردفه : حمله خلفه
(12) المورك : المرفقة التي تكون عند قادمة الرحل ، يضع الراكب رجله عليها ليستريح من وضع رجله في الركاب
(13) الظعن : جمع ظعينة وهي المرأة المسافرة
(14) طفق يفعل الشيء : أخذ في فعله واستمر فيه
(15) النحر : الذبح
(16) البُدْن والبَدَنَة : تقع على الجمل والناقة والبقرة، وهي بالإبل أشبه، وسميت بدَنةً لِعِظَمِها وسِمْنَها.
SOHIH IBNU KHUZAIMAH
2597 – ثنا محمد بن الوليد ، ثنا يزيد ، ح وثنا محمد بن يحيى ، ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، ثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : دخلنا على جابر بن عبد الله ، فذكر الحديث ، وقال فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له فركب حتى أتى بطن الوادي ، فخطب الناس ، فقال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا وإن كل شيء من أهل الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وأول دم أضعه دماؤنا : دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضعه ربانا ربا العباس بن عبد المطلب ؛ فإنه موضوع كله اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وإن لكم عليهن أن لا يوطين فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح (1) ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ، وأنتم مسئولون عني ما أنتم قائلون ؟ فقالوا : نشهد إنك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لأمتك ، وقضيت الذي عليك ، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء ، وينكسها إلى الناس اللهم اشهد ، اللهم اشهد « قال أبو بكر : قد بينت في كتاب النكاح أن قوله لا يوطين فرشكم أحدا تكرهونه ، إنما أراد وطىء الفراش بالأقدام ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجلس على تكرمته إلا بإذنه ، وفراش الرجل تكرمته ولم يرد ما يتوهمه الجهال إنما أراد وطء الفروج »
__________
(1) مبرح : شاق وشديد
MUSNAD ABDU BIN HAMID
860 – حدثني ابن أبي شيبة ، ثنا زيد بن حباب العكلي ، ثنا موسى بن عبيدة قال : حدثني صدقة بن يسار ، عن ابن عمر : أن هذه السورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق (1) بمنى وهو في حجة الوداع إذا جاء نصر الله والفتح حتى ختمها فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع ، فأمر براحلته القصواء (2) فرحلت له فركب فوقف للناس بالعقبة فاجتمع إليه الناس فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ، فقال : « أيها الناس إن كل دم كان في الجاهلية فهو هدر وأول دمائكم دم إياس بن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل ، وإن أول ربا كان في الجاهلية ربا العباس بن عبد المطلب فهو أوضع لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، أيها الناس ، إن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله منها أربعة حرم رجب مضر بين جمادى وشعبان ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، وإن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله وذلك أنهم كانوا يجعلون صفر عاما حراما وعاما حلالا ، ويجعلون المحرم عاما حلالا وعاما حراما ، وذلك النسيء من الشيطان يا أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا آخر الزمان وقد رضي منكم بمحقرات الأعمال فاحذروه في دينكم ، أيها الناس ، من كانت عنده وديعة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، أيها الناس ، إن النساء عندكم عوان (3) ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن حق ، ولهن عليكم حق ، ومن حقكم أن لا يوطئن فرشكم ولا يعصينكم في معروف فإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف فإذا ضربتم فاضربوا ضربا غير مبرح ، أيها الناس قد تركت فيكم ما إذا اعتصمتم به لن تضلوا كتاب الله ، أيها الناس ، أي يوم هذا ؟ قالوا يوم حرام . قال : أي شهر هذا ؟ قالوا : شهر حرام . قال : أي بلد هذا ؟ قالوا : بلد حرام . قال : فإن الله عز وجل قد حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة هذا اليوم وهذا الشهر ألا لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم ألا فليبلغ شاهدكم غائبكم ثم رفع يديه فقال : اللهم اشهد أني قد بلغت ثلاث مرار »
__________
(1) أيام التشريق : الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الأضحى
(2) القصواء : الناقة المقطوعة الأذن ، وكان ذلك لقبًا لناقة النبي ، ولم تكن مقطوعة الأذن
(3) عوان : أسيرات
1137 – حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا حاتم بن إسماعيل المدني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : دخلنا على جابر بن عبد الله ، فسأل عن القوم حتى انتهى إلي ، فقلت : أنا محمد بن علي بن حسين ، فأهوى بيده على رأسي فنزع زري الأعلى ، ثم نزع زري الأسفل ثم وضع كفيه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب فقال : مرحبا بك يا ابن أخي ، سل عم شئت . فسألته وهو أعمى ، وجاء وقت الصلاة فقام في نساجة ملتحفا بها كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها ، ورداؤه إلى جنبه على المشجب (1) ، فصلى بنا ، فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بيده فعقد تسعا فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين ولم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم (2) برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله ، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصنع ؟ فقال : « اغتسلي واستثفري (3) بثوب وأحرمي ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء (4) ، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري من بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملنا به ، فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته . قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم عليه السلام ، فقرأ ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (5) ) فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبي يقول : ولا أعلمه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يقرأ في الركعتين : ( قل هو الله أحد (6) ) ، و ( قل يا أيها الكافرون (7) ) ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله (8) ) أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة ووحد الله عز وجل وكبره وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت (9) قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي (10) وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة ، فقام سراقة بن جعشم فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد . فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال : » دخلت العمرة في الحج ، مرتين ، لا بل لأبد الأبد « وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا ، واكتحلت فأنكر ذلك عليها ، فقالت : أبي أمرني بهذا قال : فكان علي يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا (11) على فاطمة للذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه قال : فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال : » صدقت صدقت « ماذا قلت حين فرضت الحج قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك عليه السلام قال فإن معي الهدي فلا تحل . قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن ، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة ، قال : فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا نشهد أنك قد أديت بلغت ونصحت . فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ثلاث مرات ، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حين غاب القرص وأردف أسامة ، خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى : أيها الناس السكينة السكينة ، كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى إذ أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن عباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت ظعن يجرين فطفق (12) الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر ، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى أتى محسرا فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها سبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصا الخذف رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر (13) ثلاثا وستين بدنة ، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلب الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه
__________
(1) المشجب : هو ما يعلق عليه الثياب والمتاع
(2) الائتمام : الاقتداء والمتابعة في القول والعمل
(3) الاستثفار : هو أن تَشُدّ المرأة فرجها بخرقة عريضة بعد أن تَحْتَشي قُطْنا، وتُوثِقَ طرَفَيْها في شيء تَشُدّه على وسَطها، فتمنع بذلك سَيْل الدَّم
(4) القصواء : الناقة المقطوعة الأذن ، وكان ذلك لقبًا لناقة النبي ، ولم تكن مقطوعة الأذن
(5) سورة : البقرة آية رقم : 125
(6) سورة : الإخلاص آية رقم : 1
(7) سورة : الكافرون آية رقم : 1
(8) سورة : البقرة آية رقم : 158
(9) انصب : انحدر في السعي
(10) الهدي : ما يهدى إلى الحرم من النَّعَم والذبائح ، وقيل أيضا : من مال أو متاع
(11) محرشا : محرضا وذاكرا ما يوجب اللوم
(12) طفق يفعل الشيء : أخذ في فعله واستمر فيه
(13) النحر : الذبح
MUSYKILUL ATSAR ATOKHAAWIY
28 – كما حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، في حديثه عن حجة رسول الله عليه السلام : أنه لما زاغت الشمس من يوم عرفة في حجته ، أمر بالقصواء (1) ، فرحلت له ، فركب حتى أتى بطن الوادي ، فخطب الناس ، فقال : « إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وأول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد ، فقتلته هذيل ، وإن ربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربا العباس ، فإنه موضوع كله ، اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك ، فاضربوهن ضربا غير مبرح ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده : كتاب الله ، وأنتم مسئولون عني ، فما أنتم قائلون ؟ » قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ، ونصحت ، فقال بأصبعه السبابة ورفعها إلى السماء ينكتها إلى الناس : « اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد » ثم أذن بلال
__________
(1) القصواء : الناقة المقطوعة الأذن ، وكان ذلك لقبًا لناقة النبي ، ولم تكن مقطوعة الأذن
1517 – حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو عامر العقدي قال : حدثنا كثير بن زيد ، عن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه ، عن علي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر الشجرة بخم فخرج آخذا بيد علي فقال : « يا أيها الناس ، ألستم تشهدون أن الله عز وجل ربكم ؟ » قالوا : بلى ، قال : « ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم ، وأن الله عز وجل ورسوله مولياكم ؟ » قالوا : بلى ، قال : « فمن كنت مولاه فإن هذا مولاه » ، أو قال : « فإن عليا مولاه » – شك ابن مرزوق – « إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله سببه بأيديكم ، وأهل بيتي » . وكثير بن زيد مديني مولى لأسلم ، قد حدث عنه حماد بن زيد ، ووكيع ، وأبو أحمد الزبيري